عازف الرباب المحترف المرحوم الرايس الحسين سيدي شنا
رشيد مو
لم أرغب في الكتابة عنه، إلا أن شيأ تأجج داخلي وجعل الكلمات تعصف بداخلي محاوِلة أن تصيح . إنه أعظم وأمهر من روض آلة الرباب في هذا القرن في ظل الصمت التي تتقنه المنابر الإعلامية والمعهد الثقافي الذي حكم على هاته الآلة بالزوال دون أدنى محاولة منها لإضهارها للعالم وتعليمها للأجيال القادمة ،دون ذكر خصائص هاته الآلة العجيبة والفريدة ذات الوتر الواحد التي لن تنوح بألحانها لأي كان ولازالت لليوم لغزا يصعب تفسير كيف صنعتها أيادي الصانع الأمازيغي .
مات على سرير مهترى داخل مستشفى الحسن الثاني
مقبرة الأحياء والنبوغ الفني، تنكل له دون أعتراف يليق . كأن البناية كتب في قدرها أن تكون سادية ومحطة أخيرة لفقراء الوطن لمن لايملكون ثمن مستشفى مجهز .. بناية خطفت الحياة منه بعد أن جعلت بقايا جسده الهزيل عرضة للتنكيل بكرامته و إنسانيته و تُعبر عن إسترخاص الوطن لأبنائه والمعهد الثقافي في الواجهة بفنان أمازيغي لأنه ليس عربيا او أجنبي ، عاش لحظات الوداع وحيدا بعدما كان سببا في عزف الآلاف الأغاني للعديد من الفنانين وقابلوه بالنسيان بعدما كان في حاجة لشربة ماء آخيرة في هاته الحياة ولم يجد بجانبه سوى شقوق غرفته وسريره المهتري وانواع الحشرات التي تطوف المشفى.. مشفى كان يجعل الأحياء مرضى نزوته و إن كذبتموني إسألوا سريره وآلة الرباب بجانبه لازالت ترفض أن تصدق ! ضلت ألحانها تطوف رافضة المغادرة كي تظل شاهدة. تلج المستشفى و تلوح لك فراشات مزركشة الألوان . ممرضات يعتنين بك حسب حجم رصيدك البنكي تراهم يتتراقصن ليس نشاطا بل على إيقاعات الأغاني الصادحة من هواتفهن، كي لا يزعجهن أنين المرضي ونحيبهم من الألم. يسارعن لقبض الثمن قبل أن تقبض أياديهن رأس المريض و يحتملنه بتقزز ظاهري. تلك الفراشة التي كانت بلسم يداوي الألم، تغيرت لتصبح حية تنفث سموم أنانيتها و كبريائها المهزوم على أبدان ضعيفة تنتظر أن تلاقي دود التراب. تمسك المشرط في يد و الهاتف الأخر في اليد الأخرى، وعوض البحث عن مكمن الداء. تبحت عن كيفية تقليم أظافرها بنفس طريقة صديقتها التي تسألها عن طريق الهاتف . الحياة تحولت بتغيير لون تنوراتهن لسواد في الأعين، الإبتسامة ذابت وسط خليط الألوان على الشفاه فصار عابسا في أوجه الناشدين للراحة. العطاء تحول لوباء ينخر جسد المريض من جفائهن و عدم مبالاتهن. تحولت أياديهن لأيادي سجان بعد أن كانت أيادي ملاك . فحتى القابض للروح يكون رحيما حين يحين الأجل المحتوم، أما فليس للرأفة طريق سوى لمن يدرفن الدموع للقطة، في سكة حديد يتوقف عليها قطار مسلسل تركي لا يرغب في قتل البطلة حلقاته لازالت مستمرة. معه تحول النون لراء. فالراء آلة رباب تشفي ترانيمه القلوب الجوعى لأمل يبقيها صامدة أمام جبروت الألم. الصاد سياط يجلد الباقي من الصبر، فيكون هو القاتل قبل المرض.
الحسين شنا رحمة الله عليك اللهم أجعل روضتك من رياض الجنة مع الصديقين والشهداء .