مذكرات الفنان المطرب احمد أبعمران - الحلقة 7
العودة إلى عاصمة الروايس، وأول شريط على موضة "البنات" الجديدة
عدت
إلى أكادير بعد أربعة أشهر من الاستقرار في الدار البيضاء. ودعت أصدقائي،
الحسين الطاوس و عبد الكريم الـﮕـرام وغيرهما، وعدت إلى عاصمة الروايس
الأمازيغ.
أتحدث
الآن عن سنة 1996. وقد استقررت في أكادير. وكانت الدشيرة المكان الذي أقضي
فيه معظم وقتي رغم أني كنت مستقرا في الباطوار. في كل مساء يأتي الرايس
مولاي حمد مزين إلى مقر سكناي، ونذهب معا إلى الدشيرة، وقد نجلس في المقهى
أو نذهب إلى الإستوديو.
وأود
أن أقول للقراء الكرام أن الدشيرة كانت مستقر الروايس جميعهم، وكانوا
يجلسون في أربع مقاه قريبة من بعضها، توجد قرب مقاطعة الدشيرة، وهذه
المقاهي تشبه إلى حد ما "لْمُوقْفْ"، بمعنى أن كل من يحتاج إلى الفنان عليه
أن يأتي إلى الدشيرة، وأن يتوجه إلى هذه المقاهي بسبب عدم توفر وسائل
الإتصال مقارنة بالحاضر.
كنت
جالسا في إحدى هذه المقاهي مع الرايس حميد أمداكل، وأخبرني أن شابا قد
أنشأ شركة، يتعلق الأمر ب التامري موزيك ، ويريد مني أن نعمل على إنجاز
شريط بنات... في السنة المذكورة تحديدا اقتحمت موضة جديدة الغناء
الأمازيغي، يتعلق الأمر بـبنات... (بنات كذا.. بنات كذا)"، وهي موضة جديدة
جاءت لتهجم على موضة أقدم منها هي موضة إخوان التي تحدثنا عنها في
النصوص السابقة. ويبدو لي أن لفظ أخوات لم يكن مقبولا لدى أصحاب الشركات،
فاختاروا لفظ بنات. وقد وافقت على طلبه، وجلسنا مرات ومرات حتى أنهينا
الأغاني بألحانها وكلماتها.
ومن
الأفكار التي أريد الإشارة إليها ما دمت أتحدث عن موضة بنات أنه بمجرد
أن يخرج عمل من الأعمال يحمل هذه الصفة، يُباع بأرقام قياسية، وأستغرب أن
هذه الأشرطة تفوق أعمال كبار الفنانين في المبيعات. غير أن هذه الأشرطة لا
تاريخ لها. يُباع الشريط، يستمع إليه الناس، ويموت. لكن أصحاب الشركات
وجدوا ضالتهم في موضة "البنات"، لأن صاحب الشركة لا يهمه إلا الربح المادي. شريط
البنات الذي أنجزته مع الرايس حميد أمداكل خرج إلى الأسواق باسم بنات
الجنوب، غنته مينة تارودانيت. وقد نجح الألبوم كما لم يتوقع، وحصل على
أرباح جيدة، لكن، كما قلت هذه الموضة حتى وإن كانت تدرّ الأرباح، لكن لا تاريخ لها.
مسلسل غوادالوبي والرايس محند أجوجـﮕـل
في
ما يتعلق بالحديث السابق عن موضة البنات، كنا نكتب الكلمات ونؤلف
الألحان ونشرف على التسجيل في الأستوديو. يطلب صاحب الشركة من مغنية أن
تؤدي الأغنية، وحين ننتهي من الأمر نهائيا يحصل الجميع على أجرته: صاحب
الألحان، وصاحب الكلمات، والمغنية التي غنت الأغنية والعازفون. و يكون
العمل في آخر المطاف بين يديْ صاحب الشركة ويتصرف فيه كما يشاء. وأعني بذلك
أن صاحب الشركة لا يضع اسميْ صاحب الكلمات والألحان على غلاف الكاسيط، كما
أن صورة المغنية لا تكون في كثير من الأحيان صورة الفنانة التي غنت
بصوتها، بل صورة امرأة أخرى ذات وجه جميل ولا علاقة لها بالفن. وأظن الآن
أن أصحاب الشركات يتحملون وزر عقود طويلة من التزوير، وكان من الممكن تجاوز
مشكلة المغني الجوكير الذي يتقن كل شيء، المغني الذي يكتب الكلمات ويؤلف
الألحان ويغنيها، لكن مشيئة الشركات شاءت ما شاءت.
كنت
في أستوديو المعارف حين بلغ إلى علم عمر المعارف أن الألبوم الذي أنجزته
رفقة حميد أمداكل قد نجح، فقال لي: أريدك أن تنجز لي أنا أيضا شريط بنات.
أبديت موافقتي وشرعنا في العمل مباشرة. ولا أتذكر الاسم الذي أخرج به ذلك
العمل الذي أنجزناه. لكن، حين أنهيناه قال لي: الرايس حماد هذا الأستوديو
اعتبره منزلك، وسواء كان العمل متوفرا أم لا فهذا المكان مفتوح لك.
وفي
ذلك الوقت، أي سنة 1996، حظي مسلسل مكسيكي اسمه رهينة الماضي بأكبر نسبة
مشاهدة في المغرب، وكان حديث القاصي والداني، وأدى هذا الانتشار إلى ردود
أفعال فنية، تمثل في إقدام أصحاب الشركات على إنتاج أشرطة تتحدث عن موضوع
المسلسل. وقد طلب مني عمر المعارف من جديد إنجاز شريط يتعلق بهذا المسلسل
وتم له ذلك. لقد ساهمت في أزيد من أربعة أشرطة موسيقية تتحدث عن هذا
المسلسل، وقد حاولت كثيرا تذكر أسمائها ولم أفلح.
تهافتت
الشركات أيضا على هذا المسلسل، فكلما أنتجت الشركة ثوبا أو حذاء أو ما إلى
ذلك، تسميه أملحاف ن غوادالوبي أو كذا... ونتيجة لهذا التهافت الغريب
على مسلسل عادي، سجل الرايس محند أجوجـﮕـل شريطا لاذعا ينتقد فيه هذا
السلوك. لقد كتب كلمات شريطه كاملة، وقال لي: "لقد كتبت الكلمات كلها،
وأريدك أن تلحنها". وقد فعلت ذلك، ولحنتها له. يقول الرايس محند في إحدى
هذه الأغاني: "غوادالوبي غ ءودرار ءولا ءازاغار ءيزوار ءيتمغارين غ
لهبال... غوادالوبي غ ءورزين.. تلّا والا غ ءيبرين"، وهذه العبارات هي نقد
لاذع لسلوك الناس والشركات. وأود أن أذكر الأجيال الجديدة أن الرايس محند
في ذلك الوقت كان مشهورا جدا، وكان له جمهور كبير، وما زال حيا يزرق، أطال
الله في عمره، ورزقه الصحة والسلامة.
وما
أن خرج هذا الشريط إلى الأسواق، وكانت له ردود أفعال إيجابية، حتى طلب مني
عمر المعارف من جديد أن أنجز له شريطا يتحدث عن موضوع هذا المسلسل. وكان
هذا فاتحة اشتراكي مع الرايس الحسين أمراكشي في إنجاز شريط للرايسة زهرة
تالبنسيرت.
بسبيزمن الاحتراف مع الرايس الحسين أمراكش