مذكرات الفنان المطرب احمد أبعمران - الحلقة 6
المطرب احمد ابعمران
ما
أن أتممنا التسجيل حتى قدم لنا، الرايس جامع أوتانالت وأنا، المرحوم عمر
المعارف ورقة طلب منا أن نأخذها إلى محلّ قريب لبيع السجائر وأشرطة
الكاسيط، وكان هذا المحل لابنه الذي منح لنا مبلغا ماليا محترما أسعدنا.
أعطيت للرايس جامع حقه من المال. وبعد ذلك تواصلت مع أخي عبد الله حتى
يتولى العمل في ماكسويل نهائيا، لأني فكرت أن التفرغ للفن هو الخطوة
الثانية التي يجب أن أقوم بها.
وقد
صادف أني زرت الحسين أمراكشي في منزله، فطلب مني أن أعمل معه عازفا على
آلة لوطار في موسم الحاج مبارك، فوافقت على الفور. وقد قضينا في الموسم ما
يناهز عشرة أيام، لأن الحسين كان محبوبا، وقد اشتهر لتوه، وكانت القاعة
تمتلئ على آخرها، وهو ما لم يكن يحدث في هذا الموسم. وقد جلنا في أماكن
كثيرة، وذهبنا إلى أعراس كثيرة، وانتقلنا بعدها إلى موسم سيدي حماد ءوموسى،
وانتقلنا بعد هذا الموسم مباشرة إلى أمسرا إفران أطلس الصغير، قريتي، وقد
تم ذلك بطلب من صديقي عمر المسراوي الذي استدعاني رفقة الرايس الحسين.
وقد
كانت فرقة الحسين أمراكشي مكونة آنذاك من حسن بومليك، والحسن بلمودن، وعلي
التامري، ومحمد أتنان، والحسن أولحشيش، ومولاي سعيد، ومولاي الطيب.
كان
إحساسي مليئا بطعم الفرحة. فالرايس الحسين كان يهتم بموهبتي، ذلك أني أغني
أولا، ويغني هو ثانيا، وهذا في حد ذاته أمر في غاية الأهمية. ومن الأحداث
التي لم تفارق ذهني إلى الآن أننا كنا في طريقنا إلى عرس، وتهنا في الطريق
لمدة طويلة، وبعد محادثات طويلة، لم نتمكن من العثور على الطريق الصحيح،
فاضطر صاحب العرس إلى ركوب سيارته بحثا عنا، ووُفق في ذلك. ومما يحضرني
أيضا أن التواصل بيننا كلما كنا في طريقنا إلى عرس ما يكون مليئا بالهزل
والضحك، وكان الحسين ينظم هذا التواصل، إذ كان يصر على أن يَسكت الجميع إذا
كان أحد آخر يتحدث. وقد مر عام كامل وأنا رفقة الرايس الحسين، وقد تعلمت
من هؤلاء جميعا، ويشرفني أني كنت برفقتهم يوما.
جولة في الدار البيضاء مع الحسين الطاوس والـﮕـرام ونعيمة تالبنسيرت
أنهيت
الجولة مع الرايس الحسين أمراكشي مع نهاية الصيف. وعمل الروايس غالبا ما
ينتهي بانتهاء الصيف، ويضطرون إلى انتظار حلول صيف آخر ليبدأوا العمل من
جديد، وغالبا ما تكون الفصول الأخرى فصولا للكتابة الشعرية وابتكار الألحان
وتسجيل الأشرطة في الإستوديوهات.
هذا
السبب جعلني أسافر إلى الدار البيضاء للتجوال. وقد صادف أن التقيت بالرايس
الحسين الطاوس، وتبادلنا أطراف الحديث، وأخبرني أنهم بصدد العمل مع نعيمة
تالبنسيرت، وأنهم بحاجة إلى عازف على آلة لوتار. وقد وافقت على العمل معهم،
ووجدت في الفرقة فنانين آخرين مثل عبد الكريم أنضام المعروف بالـﮕـرام،
وحسن واعراب، وهو أخ الرايس الحاج أعراب أتيـﮕـي، وعازف على الإيقاع اسمه
قطي.
كانت
الرايسة نعيمة تالبنسيرت تعمل في رياض فاس بالدار البيضاء، وهذا الرياض
كان يعمل فيه المرحوم الحاج محمد ألبنسير، وحين مات ناب عنه المرحوم
الحسن أﮔـلاوو الذي كان يعمل فيه مع نعيمة، وقد سبق لهما أن أنجزا "ديو"
معا.
قضينا
في رياض فاس ما يزيد على أربعة أشهر. كنا نستمع إلى أصناف الأغاني، منها
أغاني الشعبي، وأغاني الأطلس المتوسط والريف، وغير ذلك، وقد استفدنا من ذلك
كثيرا.
كان
الحسين الطاوس يستقبلنا أحيانا في منزله، وقد نبيت اللية معه. أتذكر أنه
كلما ذهبنا إلى رياض فاس قبل المغرب بقليل في رياض فاس نجده قد سبقنا، وكل
يوم يواجهنا قائلا: "توشكامد داغ؟ ءاواسيدي ءوراتّمراﮔـم". لم يتوقف كل مرة
عن ترديد هذه العبارة التي تثير ضحكنا باستمرار. وأتذكر أني كنت أحترمه
كثيرا لأنه عازف كبير على الرباب منذ ذلك الوقت، وقد ارتفع قدره في قلبي
لسلوكه، فقد كان يستقبلنا بحفاوة دائما كلما زرناه، كما كان كريما جدا.
أما
الرايس عبد الكريم الـﮕـرام فلا يفوت حديث إلا ويجعل منه نكتة أو موضوعا
للضحك. وكل الجلسات معه لا يمكن أن تمر بدون ضحك وقهقهات. كما أتذكر جيدا
تصرفات نعيمة، لقد كانت إنسانة نبيلة.