مذكرات الفنان المطرب احمد أبعمران - الحلقة 10
المطرب احمد ابعمران
كنت
أتدرب رفقة الرايس عبد الله أسملال والرايس عبد اللطيف أزيكي على شريط
موسيقي. كان معنا حميد أمداكل أيضا. فكرة الشريط من اقتراح عبد اللطيف الذي
أراد أن نفعل مثل ما يفعل الروايس الآخرون، أي شريط الإخوان. سجلنا
التجربة في شريط. سمع صاحب شركة إنتاج ديسكو مسعود اليزيدي الأغنية من أسفل
المنزل الذي يحتوي، كما قلت سابقا، على شقق كثيرة. اقترح علينا تبني
المشروع، ووافقناه على ذلك. ذهبنا إلى استوديو المعارف، اقترح علينا صاحب
الشركة أن يغني معنا عبد الله أسملال حتى يكون العمل جيدا. سجلنا الشريط،
وكنت أغني فيه رفقة عبد الله أسملال وعبد اللطيف أزيكي. أما المرحومة فاطمة
تمراكشيت وخدوج تعيالت فقد كانتا تقومان بالكورال. غير أن إخراج هذا العمل
تأخر سنوات طويلة، أظن 5 سنوات، لأسباب لا أعرفها، ولم أسأل عن هذه
الأسباب.
التحق
بنا المرحوم الحاج الحسن بوميا، وهو شاعر كبير، اعترف به المرحوم الحاج
محمد ألبنسير وأشاذ بقدرته العجيبة على نظم الشعر في التو واللحظة. ذهبنا
سوية إلى حفلات وأعراس كثيرة. من مضحكات هذه الرفقة أن الرايس عبد اللطيف
أزيكي كان يغني، ويمر من أمام الجمهور، وسواء وهب له أحدهم ورقة مالية
بتعليقها بين قميصه وعنقه أما لم يهب له شيئا، فهو يستمر في المشي، وحين
وصل إلى مكان جلوس "القايد"، بدأ في مدحه قائلا: "واسي القايد..." دون أن
يتمكن من العثور على التتمة، وقد قالها مرات دون أن يفلح. وحين استوى له
الكلام ظل يقول الشعر ثابتا في مكانه، إلى أن أكرمه القايد فاستمر في
المشي.
أتذكر
أنه كان يغني شعر الحسن بوميا الذي لا يتوقف عن تحريك عمامته إلى الخلف
وإلى الأمام حتى يضحكنا. كان عبد اللطيف يغني شعره ويتفرس في وجه مغنية في
شكل من أشكال المدح والإعجاب، ويقترب منها المرحوم بوميا محركا عمامته
بملامح مستبشرة، وينظر إلى وجهها دلالة على أنه صاحب تلك الأشعار التي
يغنيها عبداللطيف. أود أن أقول حقيقة صادقة، وهي أن مذاق الحياة في ذلك
الزمن مختلف تماما، ويبدو من المستحيل الآن الغناء في حفلة. الآن، قد لا
يجد الفنان الأمازيغي قوت يومه، فالمهرجات أغلقها سماسرة الفن، والناس
يفضلون إمضاء أعراسهم بدون فنانين. أما في ذلك الوقت، فبقدرما كانت الحياة
بسيطة، كان حضور الفنان في العرس أمرا بديعا، والحفلات كثيرة. ثمة كثير من
الحديث الذي يستحق أن يقال، لكن، لندع بعضا من القلق النفسي للأيام
المقبلة.
كان
المرحوم بوميا يكن لي محبة كبيرة. حين كنا نتدرب أعزف له أغانيه دون سابق
معرفة، وقال لي وقتها: "لم نكن في حاجة إلى التدرب معك، فأنت تعزفها كأنك
تعرفها سلفا". الرايس الحسن بوميا لم يكن يعزف على آلة محددة، لكن بديهته
الشعرية عظيمة. أما عبد اللطيف فقد تعاملت معه كثيرا، وكان إنسانا حنونا،
يحب فعل الخير، شعبي منزله مفتوح لزواره.
شريط "بنات ازنكاض، وعلاقتي بأحمد اليزيدي صاحب شركة ديسكو الشباب
أتحدث
الآن عن سنة 1998، أي الوقت الذي أنهينا فيه ذلك الشريط. جاء حماد ن
ديسكو، صاحب شركة ديسكو الشباب. طلب مني أن أنجز أشرطة لشركته، ووافقت.
انصرفت من منزل عبد اللطيف أزيكي حاملا آلتي الأثيرة "لوطار"، وذهبنا معا
في سيارته، واستقبلني في منزله، وبدأنا العمل.
كانت
علاقتي بحماد ن ديسكو وطيدة جدا، ونادرا ما كنا نفترق، ودائما ما أكون
برقته وهو يوزع الأشرطة، أو في سفرياته المستمرة إلى الدار البيضاء للأغراض
التجارية المرتبطة بشركته، أو في العمل في الأستوديو على أغاني الفنانين
بالعزف على آلة لوطار، أو في إعداد ألحان وكلمات لشريط فنان ما.
كان
حماد ن ديسكو يمتلك فكرة عن طريقة جديدة لإنجاز أشرطة "البنات". الفكرة هي
أن تغني المغنية ألحانا معروفة، تلك الألحان التي كان لها صدى كبير عند
الجمهور، مع تغيير الكلمات، وإمكانية إضافة مقاطع جديدة. وهذا معناه أن لحن
أغنية واحدة قد تمتزج فيه ألحان روايس مختلفين. وتلك فكرة خاصة لم يسبق أن
أنجزتها شركة ما.
ذلك
اللقاء نتجت عنه فكرة ثلاثة أشرطة. أولها "بنات ءيزنكاض"، الذي غنيت فيه
مع الرايسة تامزميزت. من الأشياء المؤسفة في حياتنا الفنية أن مصير الناس
أصبح مجهولا رغم توافر الوسائل التكنولوجية التي تتيح التواصل السريع.
والحق أن هذه المهنة طالما علمتني أنها غير آمنة، فبين ليلة وضحاها يختفي
فنان من هنا أو هناك، ويختفي أثره نهائيا. والسبب معروف؛ جمهورنا محدود بين
مراكش وطانطان. والذين يستمعون إلينا في المدن الأخرى وفي البلدان
الأوربية ينتمون بالضرورة إلى هذه المنطقة المحدودة.
أتذكر
أن الرايسة تامزميزت قد سجلت أغاني أخرى لصالح شركة بيجديكن. وشركة هذا
الرجل محترفة في صناعة النجوم. فعلى سبيل المثال، أخرج إلى الأسواق أشرطة
شارك فيها عدد كبير من الفنانين، يتعلق الحديث بشريط "بنات أودادن" الذائع
الصيت، وغنته مغنية محترفة، لكنه أسند التصوير إلى شابة أعترف أنها جملية،
وأن تمثيلها كان رائعا، ومع ذلك، يؤسفني أن أقول إنها ليست فنانة، وهذا
يفسر غيابها كلية من المجال الفني، رغم أن الناس يحتفظون في ذاكرتهم بهذا
الشريط، وبصورة تلك الفنانة الاستعراضية.
والحق
أن مجالنا الفني فيه من الأسرار الكثير مما يستحق أن يقال. وقد تمنيت لو
انخرط الفنانون جميعا في مثل العمل الذي أقوم به. فهذا العمل توثيق
لتاريخنا الفني. أتساءل وأنا أتحدث عن التوثيق ماذا لو كان الحاج بلعيد
وألبنسير وبيزماون وغيرهم يكتبون مذكراتهم؟ كنا سنعرف لماذا تأخر فننا
فأصبحنا نصدر جمهورنا الأمازيغي إلى اللغات الأخرى.