مذكرات الفنان المطرب احمد أبعمران - الحلقة 11
المطرب احمد ابعمران
أنجزت
شريطا آخر سماه صاحب الشركة بـ"ءيمان"، هذا الاسم فقط بدون إضافات أخرى.
صورة فتاة جميلة، وانتهى الأمر، وضاعت حقوق الملحن وصاحب الكلمات والفنانة
التي غنت، وضاع تاريخ الفن الأمازيغي في آخر المطاف. ومن
الصدف التي تبدو عادية في الأستوديو أن فنانيْن جاءا من تزناخت، وهما
فردان من مجموعة غنائية من هذه المنطقة التي أنجبت الرايس ءوتزناخت وغيره
من كبار الفنانين، جاءا وفي نيتهما تسجيل شريط، وقد كانت لديهما فعلا بعض
الكلمات والألحان، غير أنهما لا يكفيان ليكونا شريطا كاملا، وقد ساهمت
معهما ببعض الكلمات والألحان، وغنيت معهما، وكان غلاف الشريط متضمنا
لصورتي. كان اسم هذا الشريط هو "ءيرشاشن"، وقد حظي بما حظي به من استقبال
متواضع. لقد عرفت في وقت متأخر جدا أن كثرة الإنتاج و الاستمرارية هي التي
تصنع الفنان، مع احترام معايير الجودة.
أشير
إلى أمر آخر متعلق بشريط "بنات ءيزنكاض". لقد لفت أنظار صاحب الشركة
الكورال الذي أدته نعيمة، التي ستعرف في ما بعد بـ"نعيمة بنت ءودادن"، في
ذلك الشريط، فقد كان في منتهى الجودة والكمال. كانت نعيمة تمتلك إرادة فنية
قوية، ولم تكن ترضى أن تكون مجرد راقصة، وكانت تستغل كل الفرص لكي تبدي
استعدادها للغناء. وقد طلبت مني فعلا أن أخبرها إن كانت هناك فرصة للغناء.
كما أخبرها صاحب الشركة أننا بصدد إعداد شريط "تنضامت"، وأنها ستغني معي،
وهكذا تحققت فكرة شريط "بنات أكادير" الذي غنيت فيه رفقة "نعيمة بنت
أودادن". وكان بعض من كلمات هذا الشريط لمحمد بنضاج، وبعض منها لي. أما
الألحان فهي لي.
طوال
هذا الوقت، كنت أَسِيرَ هذه الأشرطة الربحية التي لم تفدني في شيء، ورغم
أن صورتي كانت تظهر فيها، كما أن صاحب الشركة يشير في ظهر الغلاف إلى اسم
"أحمد أباعزي" بوصفه كاتب الكلمات أو الألحان أو هما معا، إلا أن اسمي
الفني؛ أي "أحمد أباعمران" لم يتحقق بعد.
ارتباك بنت أودادن ومغادرتها للاستوديو
أثناء
تسجيلنا لشريط بنات أكادير الذي وضعت ألحانه، وكلمات أغنية واحدة، [كلمات
الأغاني الأخرى كتبها بنضاج] كان المقرر أن تغني نعيمة بنت ءودادن. حين
بدأنا التسجيل، أنهينا "لفراش" [تفيد هذه الكلمة عزف الأغاني بواسطة الآلات
المختلفة دون غناء]، وبدأ دوري مع نعيمة للغناء. وما أن بدأت حتى توقفت
تماما في أقل من دقيقة، وانتابتها نوبة خوف شديدة، وعجزت عن المواصلة. وقد
حاولنا تشجيعها دون جدوى، ما دفعنا إلى تأجيل التسجيل إلى اليوم الموالي
الذي أكدت فيه نعيمة على أنها مؤدية ماهرة ومحترفة.
إن
الناس، وهم يستمعون إلى الأغاني، يستمتعون بما يسمعونه، وأنا لا أخص
الحديث عن الأغنية الأمازيغية، بل أعني الأغنية بصفة عامة، قلت إنهم
يستمعون ويستمتعون، لكننا، في العمل في الأستوديو، نمر بلحظات جحيمية،
لحظات غضب ونرفزة، والعاملون في المجال الفني، في الأستوديو تحديدا، يعرفون
ما أتحدث عنه. ومع أن التدرب والتمرن يخففان من ضغط تلك اللحظات، إلا أن
استعصاء بعض الأمور يجدد في النفس الشعور بالغضب. ورغم
أن نعيمة استطاعت أن تتجاوز عقبات التسجيل، إلا أن دور بنعبيد ميلود كان
واضحا علينا جميعا. ولمن لا يعرف هذا الرجل، فأصوله من وجدة، وهذه المدينة
معروفة بالراي إنتاجا واستهلاكا، وهو أخ المخرج كمال كمال الذي أخرج
أفلاما كثيرة معروفة في المغرب.
لقد
تم تسجيل هذا الشريط وفق معايير طريقة "الراي"، وهذه الطريقة مجهولة
عندنا، وهنا ستكون مهارة وحرفية التقني ميلود المنقذ من تخبطنا وعشوائيتنا.
لا أعني بهذا أننا لسنا محترفين، بل أعني أننا لم نألف بعد تلك الطريقة.
أتذكر أن الحسين فاضل، وهو عازف إيقاع ماهر، كان يسهل عليه أن ينفذ ما
يطلبه ميلود بسهولة، وما كان يمكنه ذلك لولا أنه محترف. أما ابراهيم
العاتي، وهو فرد من مجموعة أيت العاتي، فأخلاقه عالية جدا، فقد عزف على
السانتي، وأعتبر إبراهيم من عازفي السانتي الكبار، ومن العجيب جدا أنه
استطاع أيضا إرضاء ميلود واختياراته الفنية بسهولة. وأتذكر مهارة محمد
أجديك في العزف على "الكيثار"، كما عزفت بدوري على "لوطار"، وهذا ما جعل
الناس يحبون الشريط كثيرا، بدون ذاكرة تنصف العاملين عليه، وهذا ما كررته
مرارا.