-->
موقع إموريك للفن الأمازيغي موقع إموريك للفن الأمازيغي

مذكرات الفنان المطرب احمد أبعمران - الحلقة 9

 مذكرات الفنان المطرب  احمد أبعمران - الحلقة 9


المطرب احمد ابعمران
الحسن بيزنكاض وشركة المعارف وشريط بنات إنرزاف
سيأتي قريبا حديث طويل عن شخصية الرايسة فاطمة تامراكشيت التي طالما أبكت الناس بسبب حديثها عن معاناتها. لكن استحضارها سيتعلق بكونها قد ساهمت في إنجاز شريط بواسطة الكورال. الآن، أي سنة 1997، سأتعرف على فنان كبير من خلال أعماله. يتعلق الأمر بالرايس الحسن بيزنكاض الذي لم يتنكر لـ"تاروايسيت"، بل حاول الحفاظ على ألحانها وشروطها في الأداء في نوع "تاكروبيت".
كان الرايس الحسن بيزنكاض يسجل لصالح شركات كثيرة، منها شركة المعارف التي سجل لها أزيد من عشرة أشرطة. وضع عمر المعارف الأشرطة كلها في صندوق، وقدمها لي قائلا: "لو أمكنك أن تنسق شريطا نسميه بنات إنرزاف". لقد سبق لي أن أشرت في النصوص السابقة إلى أن "بنات" أصبحت موضة العصر، وهي تدر الأرباح التي لا يدرها عمل فنان كبير. ولا أعرف لماذا يظل عمر المعارف يسند لي هذه المهمة، وأُصبِح بسبب ذلك مشغولا عن أعمالي الشخصية. غير أن الأهم في ذلك الوقت أني كنت أعيش من ذلك.
استمعت لكل تلك الأشرطة باحثا عن الأغاني المناسبة لموضة بنات، وأضفت إليها بعض المقاطع. ومهمة التنسيق لا علاقة لها بإنجاز الكلمات أو الألحان، بل لها علاقة بالاختيار والجمع بين المقاطع. وقد فعلت ذلك بكل حرص حتى أستطيع تجويد عملي سواء أكان تنسيقا أو تأليفا للكلمات والألحان.

فاطمة تامراكشيت؛ عصفورة الغناء الأمازيغي التي لا تغادر عشها  

في بقاع بعيدة جدا، نواحي مزوضة، ماتت الزوجة، وزوّج الزوج ابنته الصغيرة لرجل مسن. مثل هذه الأمور تبدو عادية في ذلك الوقت، وقد وقع الأمر ذاته للرايسة فاطمة تحيحيت. قضت الفتاة الصغيرة زمنا قصيرا مع الرجل المسن، فهربت وحيدة تقطع الأدغال وتجوب القفار الفارغة، إلى أن وصلت إلى أكادير.
إن بلاد مزوضة بلاد الشعراء بامتياز، لا يوجد منهم فرد واحد إلا وله القدرة على قرض الشعر، وهذا أمر غريب وخاص بهؤلاء الناس الطيبين، وهم أشبه في ذلك ببلاد موريتانيا في قرض الشعر العربي. وأقصد من هذا التذكير القول بأن هذه الفتاة الصغيرة لابد وأن تكون عاشقة للفن والغناء والروايس ما دامت من مزوضة.
ليس من الغريب إذن أن يكون ملجأ هذه الفتاة هو الروايس، وقد التقت بهم فعلا و انخرطت مباشرة في الرقص والغناء مع زميلاتها في المهنة. وبعد وقت قصير، وبفضل امتلاكها لصوت جهوري يلج أعماق القلب، سجلت الفتاة، التي أصبحت تحمل اسم فاطمة تامراكشيت، أغانيها، واخترقت الآفاق، وتلقفها الناس مثل ما يفعلون مع فاكهة يتذوقونها لأول مرة.
استمرت الرايسة فاطمة تامراكشيت في الغناء، وفرضت نفسها بقوة في الساحة الفنية، وبكى الناس لأغانيها. إن الغناء الذي يبكي الناس هو غناء نابع من الأعماق، وأظن أن المرحومة فاطمة تمراكشيت التي ملّت العالم في شبابها، وغادرت بسرعة هذه الأرض، قد لامست نبض الناس، وبدت معاناتها شبيهة بمعاناتهم. والحق أني لا أذكر أحدا من الفنانين قد تمكن من إبكائهم. والحقيقة أني، أنا نفسي، كلما استمعت إلى أغنية من أغانيها أتذكر المآسي القديمة والطموحات التي اصطدمت بالجدار. وقد فعلت هذا بالناس جميعهم، وذكّرتهم بالحياة التي لا ترحم.
لا يوجد عرس أمازيغي لا يغني فيه الناس جماعة هذه الأغنية: "ءيغت ءينّا ربّي راكولّو عدلنت.. ييوي هلّي بو لعار لعيبي". غير أن الناس عادة لا يعرفون أن هذه الأغنية الرائعة هي للمرحومة فاطمة، وأنها لا تحتاج الآن إلا لدعواتهم وإحياء روحها بين الناس، أما الجسد فقد غادر منذ مدة طويلة.

التعليقات



إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

موقع إموريك للفن الأمازيغي

2022