مسارات مجموعة أودادن العالمية | الجزء الثالث
بقلم الاستاذ الباحث الحسن امكوي
استوديو صوت علي لاحباب الدار البيضاء
كنت حريصا دائما على أن أكون نفسي، أحترمها وأحترم الآخرين وأُطبق التقاليد التي تعلمتها من أسرتي، وأن أكون عقلانيا ولا أقع في تصرفات منبعها انفعالي. فنحن نعبر عن ثقافتنا ونحميها جيدا عندما نكون مثقفين وأذكياء بالقدر الكافي. كما أنني بشكل عام لا أزال مرتبطا بمسار مجموعة أودادن، فهي اليوم جزء أساسي في حياتي، أملك فيها أصدقاء أقضي معهم بعض الأوقات كلما سمحت الظروف بذلك.
يعتبر عبد الله الفوا أحد أبرز العازفين الأمازيغ على آلة البانجو فهو معروف بطريقة عزفه البسيط و مداعبته الأوتار، و كان يتمتع بما يعرف بالسهل الممتنع لاستخلاص أعذب الألحان حتى أن الكثير من المبتدئين يجلسون بقربه لمراقبة أصابعه. أَحب الناس في هذا الفنان صوته الصداح والمميز الذي ساعده في إِيجادَة الغناء، فلصوته طعم و وقع وتأثير على النفوس لا يضاهيه أي صوت، كل هذا جعل منه قائدا مطلقا لمجموعة أودادن، حتى طغى اسمه الشخصي على المجموعة ككل لدى الجمهور الذي تعلق به الى حد الجنون.
كان للثنائي محمد جمومخ و المرحوم حسن أعطور صداقة وطيدة مع الفنان المقتدر عبد الله الفوا. كان الفوا فنانا متكاملا يلحن ويغني بصوت قوي مبحوح يهز القلوب والأفئدة، فأصبح في ظرف سنوات قليلة عضوا أساسيا ضمن مجموعة أودادن وعلامته الفارقة، لكنه ظل محافظا على بساطته وتواضعه رغم المرتبة التي بلغها بفضل موهبته. في أواسط التسعينات من القرن الماضي وبالضبط بداية سنة 1996 ستحط هذه المجموعة الرحال بمدينة الدار البيضاء تاركة وراءها مدينة أكادير وشركة انتاج صوت المعارف و كان في نية الجميع الرحيل من اجل البحث عن الشهرة والنجومية و كيف لا، ومجموعة أودادن تعتبر أشهر مجموعة أشغلت الدنيا والناس ولازالت كذلك. كما أن مدينة الدار البيضاء تعتبر محجا لجميع المجموعات الغنائية بسبب توفرها على أعتى شركات الإنتاج في أواسط التسعينات من القرن الماضي.
في أحد البيوت بحي الفرح بالدار البيضاء ستنطلق تجربة جديدة بالنسبة للمجموعة. هذه التجربة يحكيها بعض أعضاء المجموعة كل واحد من زاويته هي متضاربة شيء ما و لكنها متقاربة في عدة محطات. قلت فبتنامي الوعي لذا المجموعة الفتية و المشهورة و خاصة عند رئيسها الفنان عبد الله الفوا قرر أن تكون أول تجربة له خارج أكاديرهي مدينة الدار البيضاء مع شركة إنتاج جديدة و التجربة الثانية بعد تجربة أكادير مع شركة انتاج صوت المعارف. لم يكن هذا ليحد من عزيمة الفنان عبد الله الفوا الذي أخذ المبادرة من جديد سنة 1996 و بدأ يهيء الشريط الجديد حتى لا تنطفئ الشعلة أو تضمحل، لكن هذه المرة تفاديا للأزمات اشتغل لوحده.
شهادة محمد جموخ أحد مؤسسي اودادن
يقول الفنان محمد جمومخ أنه عند وصولهم الى الدار البيضاء نزلوا بحي الفرح ضيوفا عند عائلة داموح الذي كان يتميز بطيبوبة وكرم أهل مدينة الدار البيضاء، أثناء إقامتهم في بيت داموح كانوا يقصدون كل يوم شركة لاحباب من أجل التداريب لكن الأمر لم يكن سهلا ، فالمجموعة جديدة ونمط غنائها ما زال في بدايته. ويضيف الفنان محمد جمومخ ان الرئيس قرر في الأول أن ينتج عملا خاصا بماله الخاص و قد فكر في تأسيس شركة إنتاج تخصه ، رغم أنه يعرف مسبقا أن ما يملكه من المال قليل و لن يفي حاجة ما كان ينوي إنجازه نظرا لمتطلبات هذا المشروع الضخم. دائما حسب شهادة الفنان محمد جمومخ الذي استرسل في الكلام وأضاف أنه بعد أن اتضح لرئيس المجموعة أن المشروع كبير والمجموعة مازالت في بداياتها بحث بين دروب المنتجين لعله يقنع أحدا بالمساهمة في مشروعه أو يتبنى فكرته لكنه في الأخير عدل على هذه الفكرة لكي يهتدي في الأخير الى شركة انتاج لاحباب التي دخل معها كشريك في هذا العمل الجديد. شكل هذا العمل مفاجأة كبرى و كان حدثا مذهلا في تاريخ المجموعة وبُنيت هذه الشراكة على أن تكون المادة أي العمل للمجموعة ويكون الإنتاج وكل مستلزمات الاستوديو من طرف شركة لاحباب وفي الأخير يتم تقسيم الأرباح بينه شخصيا وشركة لاحباب في شخص المنتج علي لاحباب وعلى هامش هذه الشراكة قرر رئيس المجموعة أن يُخرج عملا جديدا مخالفا لما كانت المجموعة تعمل عليه موسيقيا و لحنا و كلمة.عمل جديد بألحان جديدة و مؤثرات صوتية جديدة على أعضاء المجموعة.
إلا أن تدخل بعض الأشخاص خارج المجموعة على حد قول الفنان محمد جمومخ أثر كثيرا على توجه المجموعة في إيقاعاتها وألحانها المعتادة التي يعشقها محبي المجموعة. وحصل نقاش حاد داخلي بين أفراد المجموعة و خاصة بين الرئيس و الإيقاعي محمد جمومخ حول هذا التغيير في الإيقاع و الألحان و بحكم حساسية الموضوع فقد ترك هذا الأخير القرار للرئيس رغم تحفظه عليه حيث أن تدخله في الأول كان عبارة عن تنبيه فقط :( الخيراد مشيغيكاد اد ميارن ميدن دار أودادن ). كان الرئيس يريد هذه المرة ان يعطي لجمهوره عملا مخالفا على المعتاد، إيقاعا جديدا و لحنا جديدا بعيد كل البعد عن نمط أودادن ويضيف محمد جمومخ أن أحد أفراد مجموعة إعشاقن الدار البيضاء كان له تأثير كبير على مجريات هذا العمل الأول مع صوت لاحباب. و حسب شهادة الفنان محمد جموخ دائما التي تؤكد ان هذا الشريط لما خرج الى السوق كان دون المستوى تسجيلا و لحنا و إيقاعا و بالتالي لم ينل حقه في السوق و لم يكن في مستوى الألبومات السابقة لأودادن مع شركة صوت المعارف.
شريط 1996 الذي كاد يقبر اوادادن
اصبح أمر تسجيل الشريط إذا جديا و لم يعد لإرجائه اي مبرر مقنع دخلوا أجواء التسجيل في الأسبوع الأول من شهر يونيو 1996 بعد ان هيؤوا مجموعة من القطع الجديدة التي تدربوا عليها مع العلم ان امكانية إضافة قصائد اخرى كان متاحا. ذهبوا للتسجيل طبقا للاتفاق الذي كان بين المنتج علي لاحباب والرئيس عبد الله الفوا وقد تم التسجيل بسرعة كبيرة كما كان الجميع طوال الوقت متخوفا لأن الجميع دخل في مغامرة غير محسوبة العواقب وقد روى لي الفنان محمد جمومخ تفاصيل كثيرة و دقيقة عن ذلك التسجيل الذي تم في الاسبوع الاول من شهر ماي 1996 منها مثلا أنه لما انتهوا من التسجيل كانت هناك مناقشات حادة بينه و بين رئيس المجموعة حول نجاح الشريط من عدمه. هذه الشهادة كانت للفنان محمد جمومخ أحد أعضاء مجموعة أودادن سابقا و قد نقلتها لكم كما حكاها لي.
بعد خروج الألبوم الى الأسواق اتضح فعلا ان المجموعة ابتعدت كثيرا عن منهجها و إيقاعها و نمطها الذي ألفه محبيها و جميع جمهور الأغنية الأمازيغية و كذا مجموعة من النقاد. شارك معنا الفنان محمد اوبلا الملقب بالبياز بشهادته التي هي متقاربة مع شهادة محمد جمومخ و أضاف عليها اوبلا البياز بحكم صداقته المتينة مع رئيس المجموع. قال أن الرئيس اعترف له دات مرة انها فعلا كانت تجربة فاشلة كان الرئيس يريد عبرها ابداع نوع آخر من الألحان و خاصة انه يرتاح لها و لكن جمهوره يفضل الإيقاع السريع و الألحان البسيطة التي تدخل الى القلوب بدون زيادات او مؤثرات صوتية (la boite a rythme ) حيث وظفت المجموعة كذلك و لأول مرة آلة السانتي.
و في نفس الوقت قال له أيضا ان هذا النمط و هذا الإيقاع كان لونا يحبه و يعشقه و لكن للاسف أن محبي أودادن كان لهم رأي آخر وذوق آخر ألا وهو الإيقاع السريع والأغنية البسيطة و اللحن العادي بدون مؤثرات صوتية أو إضافات.
في سنة 1997 و لتدارك الموقف حسب اعتقادي قرر الرئيس تسجيل شريط جديد لنفس الشركة و بنفس الطريقة المشكل الذي فجر خلافا حادا بينه و بين الأيقاعي محمد جمومخ الشيء الذي عجل بمغادرة هذا الأخير المجموعة دون ان يسجل معهم هذا الشريط الثاني لصوت لاحباب الذي هو أيضا كان عملا فاشلا حسب شهادة الإيقاعي محمد جمومخ. انتظرت المجموعة سنة 1997 لتوقع شريطها الثاني بنفس الإيقاع و الألحان و الكلمات لنفس المنتج لم يرق هو كذلك الجمهور وبمجرد تسجيله عانى المنتج من ضائقة مالية ما خلق بعض الخلافات مع صاحب الشركة فقرر الفنان عبد الله الفوا تسليم عمله و النزول به الى أكادير ليبيعه لشركة انتاج أفولكي التي قامت بتسويقه مع تغيير صورة الغلاف و الإحتفاظ بالمضمون.
ثار محمد جمومخ حول الطريقة التي سيسجلوا بها شريطهم الثاني لنفس الشركة فأقفل راجعا الى أكادير فكانت خاتمته كإيقاعي لما يقارب سنة كاملة و يبرر ما وقع ، انه كان تعبيرا منه عن رفضه ان تعامل المجموعة كسدج، أو أن تستغل من طرف اي كان، علما أن الفنان محمد جموخ يقول و يعيد دائما أن أشخاص خارجين عن المجموعة هم الذين يسببون كل هذه التوثرات.
شهادة الحسن اشوور
لم أكتفي بهذه الشهادة بل حاولت و كثفت اتصالاتي التي قادتني الى الفنان الحسن أشاور فكان له رأي آخر وحكاية مخالفة تماما. التحق الفنان الحسن أشاور بمجموعة أودادن سنة 1990 وسجل معهم أربعة أشرطة ولكن بدون أن تكون صورته على أغلفة الأشرطة او البوستيرات الفنان الحسن أشاور شاب متحمس فكاهي مرح خلوق و مواضب على عمله عشق الموسيقى مع اقرانه بين أحياء بنسركاو وبعد أن نضج كان حلمه الإلتحاق بمجموعة أودادن بحكم العلاقة القوية التي تربطه برئيس المجموعة. أول ألبوم سيسجله معهم بطريقة رسمية هو ألبوم 1996 مع صوت لاحباب. الفنان الحسن أشاور كانت له شهادة مخالفة للشهادتان السابقتان لكل من الفنان محمد جمومخ و الفنان محمد ابلا. يقول أشاور أنه لم تكن أبدا في نية الرئيس تأسيس شركة انتاج ولم يفكر في هذا أبدا ، كل ما هناك أنه قرر تسجيل العمل على حسابه الخاص ثم يأخد هذا المنتوج و يبيعه لمن أراد شرائه، كما أضاف الفنان الحسن أشاور أن كل ما يقال عن تغيير المجموعة لإيقاعها في هذه الألبومات ما هو إلا مزايدات ليس إلا، و لما واجهته بشهادة صديقه محمد جمومخ أشار لي أنه ربما أن الذاكرة خانته على حد قوله حول هذه الواقعة. زد على ذلك أن افراد المجموعة الباقين يجمعون على أن الأغاني وجميع الألحان لم يكن فيها اي تغيير بل بالعكس حافظت فيها المجموعة على نفس الإيقاع المعتاد و لم يزيدوا أي مؤثرات صوتية. يضيف الفنان الحسن أشاور ان الشريطان جاءا هكذا دون اي ترتيبات او أي تغيير ويعترف أن الالبوم الأول جاء مخيب لكل الإنتظارات بسبب ضعف طريقة التسجيل أما فيما يخص الشريط الثاني لا ينكر الفنان الحسن أشاور أن الإستعدادات فعلا شهدت بعض التشنجات ومزايادات في الكلام. فيما يخص تسجيل الشريط الثاني فقد كانت المجموعة انتقلت الى بيت رضوان أحد أفراد مجموعة إعشاقن و يضيف أنه رافق الرئيس في جميع الترتيبات التي تخص تسجيل هذا الشريط و في المرحلة الثانية كانت الأدوار بينه وأحمد الفوا فيما يخص الإيقاع وعند تسجيل الكورال كان معهم العربي أمهال.
شريط 1996 يتضمن :
العفو راييد لكمن- يان ترجون - إلايي الرجاء حالحب نك - واربي عفوياحي -كار أمداكل - مراسول تامنت - الله أريش أومليل - لمان أور إيلا.
شريط 1997 يتضمن :
باب نوجميل- زايد أودي - إغكيد كتيغ -إتين ألهم - أمان ياضنين أيا - أغراس يويد إزيمر- كيغن سرك ربي- إبادل الزمان- تافوكت إغاساوالن - سيدي مساك اليعوان - إحاك إفغ العاقل الدات..
يتبع.
سيجتمع العفاريت الخمس مرة أخرى و سيشدون الرحال عائدين الى مدينتهم بعد أن تجاوزوا جميع خلافاتهم ليبدأ سفر آخر و عالم آخر من النجاحات مع شركة إنتاج أخرى رئيسها هو الفنان و الشاعر مولاي مسعود و مع الشريط سينكل(single) الذي حطم كل التوقعات و أعاد مجموعة أودادن مرة أخرى الى الواجهة ضيف الله أنا واثق انكم ستنتظرون هذا الجزء (4) بشوق و أنا اعدكم انكم لن تندموا.
تحياتي للجميع.