مذكرات الفنان المطرب احمد أبعمران - الحلقة 5
عمر المعارف يقْبل الشريط الذي قدمته له، ويتدخل في تغيير الاسم الذي اقترحته
المطرب احمد ابعمران
مرت
ثلاث سنوات حين قررت جديا تسجيل ألبوم جديد. كان ذلك سنة 1994 حين كان
يتمرن معي الرايس جامع ءوتانالت. كان يتمرن معي ولم أفكر في أن يغني معي،
لكن كثرة انتشار الظاهر الفنية "الإخوانية" جعلتني أقترح على الرايس جامع
أن يغني معي، وقد وافق على ذلك فورا. سجلنا شريط التجربة وأخذناه معا إلى
شركة المعارف، وقد استقبلنا عمر، صاحب الشركة، بحفاوة، وجلسنا وإياه مدة
طويلة نتبادل أطراف الحديث. وبعد يومين أرسل في طلبنا، وأخبرنا بقبول
العمل، وأخبرنا أن علينا أن نستعد للتسجيل، وبعد أيام بدأنا فعلا في
التسجيل.
كنت قد اخترت عنوان "ءيمازيغن" للشريط، غير أن عمر تدخل في تغيير الاسم
بإضافة كلمة "ن سوس"، فأصبح الاسم على الشكل الآتي: "ءيمازيغن ن سوس".
يجب
أن أخبر الناس أن عمر المعارف كان رجلا طيبا جدا، وكان يساعد الفنانين.
كان محترفا يساعد الفنان ويهبه أموالا معقولة بحسب انشار ألبومه. الأمر
يختلف الآن، فقبل سنوات قليلة، قبل أن يختفي دور الشركة في نشر الإبداع
الأمازيغي، باعتبار أن تسويق المنتوج الفني الآن يتم عن طريق اليوتيوب
والوسائط الاجتماعية الأخرى، قبل سنوات قليلة لم يكن صاحب الشركة يمنح
الحقوق الكاملة للفنان، بل كان يشرب من دمه دون رحمة. أما عمر المعارف،
رحمة الله عليه، فتعامله مختلف تماما عن تعامل الآخرين.
على
كل حال، فقد تخليت عن الشريط الأول الذي كنت قد منحته لعمر، ذلك أني كنت
مؤمنا وقتها أن شريط الإخوان قد ينجح أكثر من الشريط العادي، فضلا عن أن
الألحان والكلمات لم يكونا يُعْوِزانني، وحاولت أن أغير طريقة التلحين لكي
يشبه أسلوب الروايس.
حميد إنرزاف ودهشة اللقاء
لقد
أسعدني عمر المعارف كثيرا حين قال لي: حميد إنرزاف وفرقته هم الذين
سيساعدونكما في العزف. لقد افترق حميد لتوه عن الرايس لحسن بيزنكاض، وشكل
فرقته وتكونت من بوبكر إنرزاف وحسن أمدرايش وغيرهما، وسجلوا شريطهم لفائدة
المعارف. وسبب سعادتي هو أن حميد في ذلك الوقت، أي سنة 1994، كان قد سجل
شريطا رائعا هزّ عرش الموسيقى الأمازيغية، وقد أُعْجِبت بشريطه ذاك أيما
إعجاب، ليس لأن صوته جميل فحسب، بل أيضا لأنه وظف طريقة جديدة في التلحين
والتوزيع الموسيقي. وما كان يمكن له أن يحقق تلك الطفرة التي حققها لولا
أنه أتى بشيء جديد لم يكن موجودا في الساحة الموسيقية. وتجربة حميد، رغم
أنه يلحن ويكتب الكلمات، تجربة تشبه في ذلك الوقت التجارب العالمية الكبرى
من زاوية أنه قام بالغناء فحسب، فيما تولى الكلمات والألحان المهدي أوشاين.
ولقد حاولت، طوال مسيرتي الفنية، أن أدافع عن التخصص في أي مجال من هذه
المجالات؛ الغناء، والألحان، والكلمات، والعزف، وغير ذلك، وطالما قدمت نفسي
بوصفي ملحنا، لكن جمهور الموسيقى الأمازيغية لم يكن يعترف بالمغني إذا كان
لا يلحن أو يكتب الكلمات، لهذا ظل اسم الملحن وكاتب الكلمات يختفي وراء
اسم المغني رغبة في إرضاء الجمهور. ولابد أن سبب شهرة حميد آنذاك يعود إلى
السبب الذي ذكرته. إن الملحن الذي يكتفي بالتلحين يطور ألحانه باستمرار،
وكاتب الكلمات إذا تخصص في الكتابة فقط يطور أسلوب الكتابة ويبحث عن
المعاني الجديدة. أما الوضع السائد الآن في الغناء الأمازيغي فهو سبب تأخره
لا على مستوى الألحان ولا على مستوى الكلمات، والدليل على ذلك أن ألحاننا
لا يشوبها أي تغيير، وإيقاعاتنا بقيت على حالها، وما زلنا نطلق "أتبير" على
الحبيبة، وكأن معجمنا الأمازيغي عاجز عن تجديد نفسه، فيما نحن الذين
تقاعسنا على تجديد هذا المعجم.
هذه
الطفرة التي نقلت حميد من مغن مغمور إلى فنان مشهور رفعت قدره بين الناس،
فيما جابه شهرته بكثير من التواضع. لقد بذل جهده كلّه عازفا على آلة
البانجو التي يحبها كثيرا، وأعتبر حميد العازف الأول على آلة البانجو بعد
عبد الهادي إزنزارن. وإذا كان التقدم في العمر قد فعل فعله بيديْ عبد
الهادي، فإن حميد الآن هو عفريت البانجو بدون منازع. وأذكر أن فرقته بذلت
كل جهدها لإخراج العمل في الشكل الذي يرضينا، وتولى الكورال كل من لحسن
أبلدي وحسن أزيكي، وهما اللذان يقومان بذلك مع كل الروايس الذي سجلوا
أشرطتهم في شركة المعارف. ومنذ تسجيل ذلك الشريط بدأت صداقتي بحميد إلى
الآن، فهو فنان كبير، ومتواضع، وطبعه عجيب جدا، وشديد الطيبوبة. وما زالت
تجمعنا الآن المودة والمحبة والعمل.
يتبع...
الحسين أمراكشي يدافع عني أمام عمر المعارف صاحب شركة المعارف