مذكرات الفنان المطرب احمد أبعمران - الحلقة 2
مر يوم واحد حين توقفت سيارته أمام المحل. كان أجماع موجودا معه. بادلتهما التحية. دخلت السيارة، وذهبنا معا إلى مقر الشركة. عبّر عن موافقته لتوزيع الألبوم. أحسست بسعادة عميقة تغمر كياني، لقد أصبحت رسميا في عداد الروايس. وما كنت أعلم أن المهنة التي ولجت إليها هي أصعب المهن على الإطلاق. لا شك أنها ممتعة، ممتعة جدا، ولا شك أن الناس يعرفون اسمي الآن في الجنوب المغربي بعد الألبوم الناجح [ألو ألو سنة 2006]، لكني لم أعرف وقتها أن المغني قد يصل إلى أراذل العمر وهو لا يملك ثمن شراء ثيابه. النماذج كثيرة في هذا المجال، ولا أحتاج إلى ذكر الأسماء، يكفي أن نحفظ للأحياء والأموات منهم ماء الوجه، أما معيشهم اليومي فيدعو إلى الشفقة. المشكلة أن الرايس الذي شغل الناس لزمن طويل، وأمتعهم في أفراحهم، وعبر عن أحزانهم، عن آلامهم وآمالهم، أصبح مفلسا حين بحّ صوته ولم يعد قادر على الغناء كما كان.
ما يهم في تلك اللحظة أنني سعيد جدا. قدم لي العقد ووقعته بفرح شديد. اقترح عليّ الرايس أجماع ونحن في الأستوديو أن ننجز عملا مشتركا، ووافقته على ذلك. لكن الأيام أخذتني بعيدا، ولم ألتق به لمدة طويلة وغابت الفكرة التي كانت ستكون تجربة جيدة لو كُتب لها التحقق. ورغم أن الربح المادي لم يدخل في حساباتي أبدا، إلا أن صاحب الشركة أعطاني مبلغا ماليا لا أتذكره تحديدا، ولكني منحت بوعزا مستحقاته، وكذلك بوشعيب شجاع وصديقه بوشعيب مناضر، وصديق آخر لهما، وبقي لي كأجر شخصي 2000 درهم.
لقائي بالرايس محمد أمراكشي، ورحلة العودة إلى الدشيرة مدينة الروايس
الإحساس
الذي غمرني وأنا أحصل على 2000 درهم لأني كتبت كلمات ولحنتها لا يمكن
وصفه. لقد اعتبرت نفسي فنانا بصفة رسمية لأني حصلت على مال من وظيفتي
الجديدة.قبل
أن أتوجه إلى الشركة التي قبلت ألبومي، كنت قد ذهبت إلى شركة أخرى، وفيها
وجدت الرايس محمد أمراكشي الذي كان يعيش أوج شهرته. رأيته مع أفراد
مجموعته وهم يستعدون للذهاب إلى العمل في ملهى ليلي لا أتذكر اسمه. سلمت
عليه، وأخبرته أني فنان وقد سجلت ألبوما لتوي. شجعني كثيرا، وعرّفني على
صديق له اسمه حميد الذي جالسته في المقهى بعد ذلك، واستمع إلى شريطي،
واستحسنه أيما استحسان.
كان
صاحب الشركة قد أخبرني أن الألبوم سيرى النور في عيد الأضحى. ولم يبق على
حلوله سوى شهر تقريبا، لذلك لم أتأخر كثيرا في الدار البيضاء، فبعد أيام
قليلة عدت إلى قريتي بإفران أطلس الصغير، وبدأت عادةَ السهر التي لازمتني
منذ اخترت طريق الفن إلى الآن.
حلّ
العيد. كنت نائما في الغرفة العلوية حين استمعت إلى صوتي وأنا أغني، وسمعت
تعليقات أبي رحمه الله وأمي أطال الله في عمرها، وإخوتي الصغار. نزلت،
واستمعنا إلى الشريط مرات ومرات، وكان ذلك بمثابة انتصار لي ولقريتي التي
أنجبت أول فنان بعد الرايس بلقاسم الذي لم يتمكن من فرض اسمه في ذلك الزمن
الغابر. ويحضرني من ذلك ملامح أبي، وهو فنان عاشق للفن، التي يظهر عليها
الفخر والاعتزاز. ولم يمنع كون أمي ابنة فقيه ورع أن تفتخر بابنها الذي
اختار طريقه الخاص.
يتبع...